أعمال الدورة 103 لمؤتمر العمل الدولي

المدير العام لمنظمة العمل الدولية في افتتاح قمة عالم العمل بشأن "التنمية من خلال الوظائف"

بيان | ٠٩ يونيو, ٢٠١٤
السيد الرئيس، نواب الرئيس، أعضاء مجلس الإدارة، المندوبون، أعضاء اللجنة، المراقبون، أيها السيدات والسادة،

أود أن أرحب بكم جميعاً في فعاليات هذا اليوم الذي يركز على موضوع التنمية من خلال الوظائف.

لقد كان ذلك موضوع تقرير منظمة العمل الدولية عن عالم العمل 2014 الذي صدر مباشرة قبل بدء هذا المؤتمر. ويبين تقريرنا الذي آمل أنكم حصلتم على نسخة عنه في طريقكم إلى قاعة المؤتمر هذا إن لم تطلعوا عليه مسبقاً الروابط الوثيقة القائمة بين تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية والاستثمار في فرص عمل جيدة.

واسمحوا لي أن أقول بضع كلمات عن سبب اختيارنا التركيز على ذلك الموضوع في تقريرنا لهذا العام ولما اخترناه كموضوع لنقاش هذا اليوم.

أولاً وقبل كل شيء، لقد شهدنا مراراً وتكراراً أن اتباع نهج تقليدي لتحقيق التنمية لا يخلق فرص عمل بالكم والنوع المطلوبين. فلا يبدو أن مجرد التركيز على النمو الذي تقوده الصادرات وعلى التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر فحسب يكفي لتحفيز التنمية. وقد وجد تقرير منظمة العمل الدولية بأن هذا النهج لوحده قد يؤدي إلى نموذج ضيق من النمو الاقتصادي لا يخلق إلا عدداً محدوداً من فرص العمل اللائقة. وما ارتفاع معدل البطالة في صفوف الشباب المتعلمين في البلدان النامية إلا دليل على فشل الاستراتيجيات التي تركز على النمو دون نوعية فرص العمل.

كما يُعتبر عدم وجود فرص عمل لائقة عاملاً مساعداً على زيادة الهجرة. وترتفع فجوة الأجور بين الدول المرسلة والمستقبلة لتصل إلى عشرة أضعاف، ما يؤدي إلى الوضع الذي يصفه تقريري إلى هذا المؤتمر، إذ يعيش أكثر من 230 مليون شخص في بلد آخر غير مسقط رأسهم، وهذا الرقم أعلى عملياً بأربع مرات مما كان عليه عام 2000.

ثانياً، أرى أنه من الضروري إبقاء التركيز على خلق فرص عمل ليس كماً فحسب بل ونوعاً أيضاً - وإن اعتقد البعض أن ذلك غير واقعي لأن بعض البلدان تعاني جراء عمل الأطفال، والعمل الجبري، والاقتصاد غير المنظم الضخم. فهم يروون أنه يتعين علينا التركيز على الكم أولاً ثم النوع لاحقاً. لكننا نعي بأن هذا الترتيب لا يتحقق بالضرورة. وأنتم تدركون جيداً بأن تحديات التنمية مترابطة.

كما أن الحقائق واضحة وضوح الشمس. فأداء البلدان التي استثمرت في فرص عمل جيدة كان أفضل من أداء غيرها من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية أيضاً. والبلدان التي قامت بأكبر الاستثمارات في فرص عمل جيدة منذ بداية هذا القرن نمت أسرع من البلدان النامية والاقتصادات الناشئة الأخرى بمعدل نقطة مئوية واحدة تقريباً كل عام بدءاً من عام 2007. والاستثمار في فرص عمل جيدة بالحد من أشكالها الهشة ومعالجة قضية العمال الفقراء لا يحفز النمو الاقتصادي فحسب، بل ويترافق أيضاً بانخفاض عدم المساواة في الدخل.

ثالثاً، لا تزال الفجوات في فرص العمل والفجوات الاجتماعية كبيرة.
  • أكثر من نصف العمال في البلدان النامية، أي ما مجموعه 1.47 مليار عامل، يعملون في أعمال هشة إما لحسابهم الخاص أو كعمال مساهمين، وغالباً دون أجر، في أعمال أسرهم. وتشتد هذه القضية حدة على نحو خاص في جنوب أفريقيا وأفريقيا جنوب الصحراء حيث يعمل ثلاثة من أصل كل أربعة عمال في أشكال عمل هشة.
  • فيما تراجع معدل العاملين القابعين في فقر مدقع في البلدان النامية من 39 إلى 13 في المائة خلال العقدين المنصرمين، إلا أن 839 مليون عامل في هذه البلدان غير قادرين على كسب ما يكفي للارتقاء بأنفسهم وأسرهم فوق خط الفقر الذي يبلغ دولارين يومياً.
  • لا بد من خلق نحو 200 مليون فرصة عمل خلال السنوات الخمس القادمة لاستيعاب الزيادة في أعداد السكان في سن العمل في الاقتصادات النامية والناشئة.
إذاً، ماذا بإمكاننا فعله لتعزيز فرص العمل اللائقة التي تساعد أيضاً في تحقيق التنمية؟

أيها السيدات والسادة، سيتطرق رئيس المؤتمر وأعضاء اللجنة لهذه القضايا بعد لحظات. لكن في ما يلي بعض الاعتبارات التي ينبغي البدء بها:

أولاً، ثمة أدلة قوية تشير إلى أن الحماية الاجتماعية تساعد في الحد من انتشار الفقر، وعدم المساواة، وفرص الاستخدام الهش. وتعزز أنظمة الحماية الاجتماعية ذات التصميم الجيد القدرات الفردية على الحصول على وظائف أفضل.

فعلى سبيل المثال، لقد ثبُت بأن برنامج بولسا فاميليا في البرازيل، وقانون المهاتما غاندي الوطني لضمان العمل الريفي في الهند، وبرنامج شبكة الأمان المنتِجة في أثيوبيا، والبرامج المماثلة في بلدانٍ أخرى ناجعةٌ في تقديم إيرادات إضافية للأسر وحد أدنى للأجور ساعد أفرادها في تحسين تغذيتهم، والاستثمار أيضاً في أنشطة إنتاجية، فضلاً عن تحسين صحتهم، والإبقاء على الأطفال في المدرسة.

ثانياً، ينبغي دعم احتياجات التنمية ببيئة مؤاتية للمؤسسات التجارية، ومنها سياسات اقتصادية كلية داعمة.

فالمؤسسات تخلق فرص عمل، كما تلعب عملياتها دوراً رئيسياً في تحديد هل هذه الفرص لائقة أم لا. وفي آسيا، تؤكد تجارب عدة بلدان إمكانية أن تُحسن استراتيجيات التنمية الإنتاج بالتعاون مع القطاع الخاص وتعزز بيئة عمل المؤسسات.

ثالثاً، ينبغي تعزيز مؤسسات سوق العمل.

فهذه المؤسسات تقدم المكونات الرئيسية للنمو الاقتصادي من أجل خلق فرص عمل جيدة وتحقيق تنمية بشرية. كما توفر الأساس لمعالجة مصيدة الاقتصاد غير المنظم وجيوب التخلف المصاحبة لغياب حقوق العمال وظروف العمل السيئة. ويوجد في هذا المجال أيضاً ابتكارات حديثة تثير الاهتمام، من قبيل تعزيز إدارة وتنظيم سوق العمل، لاسيما في عدد كبير من بلدان أمريكا اللاتينية.

رابعاً، لا بد من ضمان نمو متوازن في الدخل لتجنب عدم المساواة الذي يزعزع الاستقرار.

وفي هذا الصدد، تشير الأدلة الواردة في تقرير منظمة العمل الدولية عن عالم العمل إلى أن انخفاض حصة دخل العمل تضر بالنمو جراء انخفاض الاستهلاك. وهذا الاتجاه المتراجع ليس حتمياً، بل يمكن عكسه عبر وضع سياسات فعالة. وبالطبع، يُعتبر الحوار الاجتماعي مكوناً على غاية من الأهمية في هذا الشأن، كما هو الحال مثلاً مع "العقد الاجتماعي الجديد" في تونس العام المنصرم.

أخيراً، ثمة سؤال آخر قبل أن أختم:

ماذا يعني كل ذلك في ما يتعلق بأولويات التنمية في العالم لما بعد عام 2015؟

كما تعلمون، ثمة قائمة طويلة من الأهداف المحتملة لأجندة الأمم المتحدة للتنمية لما بعد عام 2015. ولكني أرى بأن تقرير عالم العمل الذي يستند إلى تحليل متعمق أجري على 145 اقتصاداً ناشئاً ونامياً يُظهر بأن العمل اللائق يقع في صميم أي استراتيجية تنموية هادفة.

وباختصار، هنالك فرصة فريدة من نوعها لإحداث علامة فارقة في ديناميات التنمية وآفاقها. ومن خلال جعل فرص العمل والحماية الاجتماعية هدفاً رئيسياً لأجندة التنمية لما بعد عام 2015، تسنح للاقتصاد العالمي فرصة أكبر بكثير في إحراز تقدم نحو تحقيق هدف الازدهار المشترك والنمو الشامل.

أما التالي على أجندتنا لهذا اليوم فهو اللجنة المتميزة للغاية والتي هي أمامكم الآن. ونحن سعداء لكونهم هنا معنا، إضافة إلى المتحدث الرئيسي الأكثر تميزاً وهو البروفسور نايار. وأنا على يقين بأنه سيحفز عقولنا كما فعل من قبل، وأنه سيسهم كثيراً في مناقشات هذا اليوم.