خطاب

كلمة د. ربا جرادات، المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية، في الدورة الـ 46 لمؤتمر العمل العربي

في مؤتمر العمل العربي في القاهرة، تحدثت جرادات عن التحديات والفرص التي يطرحها سوق العمل في الدول العربية، وسلطت الضوء على بعض النتائج التي حققتها بلدان المنطقة بدعم من منظمة العمل الدولية. وخلال المؤتمر، قدم مسؤولو منظمة العمل الدولية أيضًا أهم النتائج التي توصل إليها التقرير اللجنة العالمية المعنية بمستقبل العمل التابعة لمنظمة العمل الدولية.

بيان | ٢١ أبريل, ٢٠١٩
ربا جرادات، المدير الإقليمي للدول العربية في منظمة العمل الدولية
© م .ع .د

سعادة المدير العام فايز المطيري،
أصحاب المعالي والسعادة وزراء العمل،
ممثلو العمال وأصحاب العمل،
الزملاء الكرام،

إنه لمن دواعي سروري أن أنضم إليكم في الدورة السادسة والأربعين لمؤتمر العمل العربي، وأن تتاح لي الفرصة كي أناقش معكم تقرير المدير العام المهم والتوجيهي الذي يتناول بعمق مسائل راهنة تؤثر على قطاعات وشعوب كثيرة في العالم العربي.

فتقرير  المدير العام بعنوان "علاقات العمل ومتطلبات التنمية المستدامة" يبحث في دور علاقات العمل في تحقيق مستقبل العمل الذي نصبو إليه. إذ ان قوى جديدة تُحول عالم العمل، منها تحديات مثل التغييرات التكنولوجية وتغير المناخ والتحولات الديمغرافية. ويذهب التقرير إلى أبعد من مجرد تشخيص هذه العوامل، ليقترح حلولا لإعادة تفعيل العقد الاجتماعي القائم في الدول العربية والمؤسسات المتصلة به، وليؤكد أهمية اغتنام فرصة التغيير لتحقيق الأمن الاقتصادي وتكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.

لمحة عامة عن ديناميكات سوق العمل واتجاهاته على الصعيد العالمي وفي المنطقة العربية


في عام 2018، بلغ عدد السكان في سن العمل في العالم 5.7 مليار نسمة، منهم 3,3 مليار شخص (أو 58.4 في المائة) يعملون، و172 مليون عاطل عن العمل.
علاوةً على ذلك، لا تزال أوجه العجز في العمل اللائق متفشية على نطاق واسع، إذ يعيش زهاء 700 مليون عامل في فقر مدقع أو متوسط.

إن معدل البطالة في منطقتنا العربية هو الأعلى في العالم، إذ يبلغ 7.3 في المائة في الشرق الأوسط و11.8 في المائة في شمال أفريقيا مقارنةً بالمتوسط العالمي الذي يبلغ 5 في المائة.

إذا استثنينا بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تعمل فيها أعداد كبيرة من العمال الوافدين، يرتفع معدل البطالة في الشرق الأوسط إلى 10.3 في المائة، ما يوحي بأن وضع سوق العمل في البلدان غير الخليجية سيئ، إذ تقوض الصراعات الجارية والمخاطر الأمنية التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

هذه الصراعات أسفرت عن نزوح جماعي للسكان، حيث نزح أكثر من 14 مليون شخص من ديارهم في سوريا والعراق، ولجأ قرابة 5,9 مليون شخص إلى البلدان المجاورة، ما فاقم الوضع الاقتصادي المتردي أصلاً في لبنان والأردن على وجه الخصوص. ويستدعي ذلك اهتماماً ودعماً خاصين.

ويجدر بالذكر  هنا التحديات الفريدة التي تواجهها الأراضي الفلسطينية المحتلة حيث يستمر تدهور الوضع الإنساني في ظروف لا تزال تجهد سبل العيش لمئات الآلاف من الفلسطينيين، مما يحد من الوصول إلى الفرص الاقتصادية والعمل اللائق.

إن مشكلة البطالة ليست بجديدة في المنطقة، بيد أنها تفاقمت بفعل المستجدات الأخيرة. وهي تبرز بوضوح في صفوف النساء والشباب. ففي عام 2018، كان خُمس الشابات والشبان عاطلين عن العمل في الشرق الأوسط، وترتفع هذه النسبة في شمال أفريقيا إلى الثلث، فيما يبلغ معدل بطالة الشباب العالمي 11.8 في المائة، بطالة الشباب العربي الاعلى عالميا وتبلغ تقريبا ثلاثة اضعاف المعدل العالمي.

في الوقت نفسه، فإن معدل بطالة النساء العربيات يفوق ضعف معدل الرجال العرب، ليسجل 20.7 في المائة في شمال أفريقيا و15.6 في المائة في الشرق الأوسط في عام 2018.

في المنطقة العربية هناك 13 مليون عاطل عن العمل ، وما لا يقل عن 25 مليون شخص لا يعملون بشكل كامل في المنطقة.

على صعيد جودة فرص العمل، تشير التقديرات إلى أن أكثر من 15 مليون عامل يعيشون في فقر مدقع أو متوسط وأن فرص العمل الضعيفة تشكل تقريباً ربع إجمالي فرص العمل في المنطقة. كما أن الاقتصاد غير المنظَّم مرتفع، ويسجل نسبة 67.3 في المائة في شمال أفريقيا و68.6 في المائة في الشرق الأوسط.

لا يزال نطاق التغطية القانونية للضمان الاجتماعي متديناً في المنطقة، ولا سيما بين النساء. فهو لا يغطي سوى 34.8 في المائة فقط من نساء الشرق الأوسط، مقابل 45.9 في المائة من السكان ككل. وقد لوحظت أيضا اتجاهات مماثلة في شمال أفريقيا.

حتى الآن، لا يزال خلق فرص العمل يتركز في قطاعات متدنية الإنتاجية، بينما لم يثمر إصلاحات السياسات في تحفيز نمو القطاع الخاص الغني بفرص العمل في وقت لم يعد فيه القطاع العام قادراً على استيعاب الباحثين عن العمل.

أصحاب السعادة، الزملاء المحترمون،
ما هي الآثار المترتبة على السياسات؟
يتضح من دراسة هذه الأرقام أننا بحاجة ماسة إلى وضع وتنفيذ سياسات ترمي إلى إطلاق العنان لطاقات القطاع الخاص والانتقال إلى فرص عملٍ ذات قيمة مضافة مرتفعة، خاصة بالنظر إلى ازدياد مستويات التحصيل العلمي للشباب العربي الذين لا يريدون العمل في وظائف منخفضة المهارات.

والواقع أن تعزيز إطار متماسك وشامل لسياسة الاستخدام يمثل أولوية في المنطقة، حيث لم يضع سوى عدد قليل من البلدان سياسة استخدام وطنية. وينبغي أن تغدو هذه السياسات أساساً لأي مبادرة ترمي إلى خلق فرص عمل.

يقتضي دعم خلق فرص عمل لائقة الالتزام بالمبادئ والحقوق الأساسية في العمل. وفي هذا الصدد، أود أن ألفت نظركم إلى الدعوة التي وجهتها منظمة العمل الدولية إلى حكومات جميع الدول الأعضاء فيها بمناسبة الذكرى المئوية للمنظمة بهدف النظر، بالتشاور مع الشركاء الاجتماعيين، في إمكانية المصادقة على اتفاقية إضافية واحدة على الأقل خلال السنة المئوية. وقد لفت مجلس إدارة المنظمة النظر إلى أن المنطقة العربية هي من أقلّ المناطق بالمصادقة على الإتفاقيات الأساسية.

والمنظمة على أهبة الاستعداد لتزويد الهيئات الثلاثية المكوِّنة لها بدعم فني لجهودها المتعلقة بالمصادقة على معايير المنظمة وتطبيقها بفاعلية.

الذكرى المئوية ومستقبل العمل

لقد ذكرتُ للتو الذكرى المئوية. وكثير منكم يدرك أن منظمة العمل الدولية، وهي أول وكالة متخصصة في الأمم المتحدة، تحتفل هذا العام بالذكرى السنوية المائة لتأسيسها. وطوال السنة المئوية، ستُعقد عدة فعاليات تذكارية في المنطقة العربية وفي جميع أنحاء العالم.

والذكرى المئوية فرصة للتأكيد من جديد على القيم والرؤية الأساسية للمنظمة وهي تستعد لبدء القرن الثاني من أعمالها. ويقترح تقرير تاريخي صدر عن اللجنة العالمية لمستقبل العمل التابعة للمنظمة منهجية جديدة هي أجندة لمستقبل العمل تركز على الإنسان. وهذه المنهجية تعيد توجيه الاقتصاد نحو نموٍ وسياسات اقتصادية واجتماعية وممارسات تجارية محورها الإنسان. وهي تقوم على ثلاث ركائز للعمل: الاستثمار في قدرات الناس، وفي مؤسسات العمل، وفي العمل اللائق والمستدام.

بعض التحسينات التي أجرتها بلدان منطقتنا في العام المنصرم بدعم من منظمة العمل الدولية

المدير العام، أصحاب المعالي والسعادة، الزملاء الكرام،
بطبيعة الحال، لسنا بحاجة إلى انتظار المستقبل البعيد لتحسين أسواق العمل وظروفه في منطقتنا. فقد لاحظت منظمة العمل الدولية وبتقدير كبيرٍ أوجه التقدم الكثيرة التي أحرزتها البلدان العربية في عالم العمل. وهي أكثر من أن نذكرها بصورة شاملة هنا، ولكني أود التنويه إلى بعض ما تحقق من إنجازات الحديثة.

الإمارات العربية المتحدة

نهنئ دولة الإمارات على تنظيم القمة العالمية للحكومات 2019 التي ركزت على مستقبل العمل، وكان لمنظمة العمل الدولية مشاركة مهمة فيها.
أقرت الإمارات قانون العمال المنزليين الخاص بظروف العمل القانونية.
كما أنشأت إدارة لتنسيق تفتيش العمل لاستهداف الوظائف عالية المخاطر وتعزيز حماية العمال. وفي الإمارات كما في الكويت، تم نقل مديريات شؤون العمال المنزليين من وزارات الداخلية إلى وزارات العمل، وذلك يؤكد الأهمية المعطاة للمساواة في الحقوق لهذه الفئة من العمال.

الكويت

سنت الكويت القانون رقم 69 لإنشاء شركة حكومية بهدف تنظيم استقدام العمال المنزليين. كما وضعت أول حد أدنى لأجور العمال المنزليين في الدول العربية.

المملكة العربية السعودية

تتخذ الحكومة السعودية خطوات نحو تشكيل اتحاد للجان العمالية. كما أُعلن عن لوائح جديدة تكفل إيجاد جو عمل "مريح" للمرأة، والمساواة في الأجر، وتنظيم ساعات عمل المرأة في المهن الطبية. سنَّت الحكومة أيضاً لوائح تسهل انتقال العمال الوافدين من كفيل إلى آخر في حالات معينة. شرعت منظمة العمل الدولية في تنفيذ برنامج للدعم الفني في المملكة يهدف إلى تعزيز عمل المرأة، وتقوية آليات الحوار الاجتماعي، وتقييم عمل الأطفال. تعمل المنظمة مع المملكة في الجوانب العمالية لمجموعة العشرين.

الأردن

تساعد منظمة العمل الدولية الأردن في عدد من المشاريع الداعمة لخطة مواجهة أزمة اللجوء السوري.
تُرجم التزام الحكومة الأردنية إلى إصدار 140,000 تصريح عمل للاجئين السوريين.
كما سن الأردن لائحة لحماية الأجور، وتأمين الإيرادات واستحقاقات الضمان الاجتماعي في قطاع التعليم وتوسيعها لتشمل قطاع الصحة.
صدر مرسوم يلخص جميع الجوانب التنظيمية المتعلقة بدخول اللاجئين إلى سوق العمل.
 

لبنان

في لبنان، تعمل منظمة العمل الدولية في الوقت الحاضر بطلب من وبالتعاون مع الشركاء الاجتماعيين على إصلاح نظام تعويض نهاية الخدمة وتحويله إلى نظام للمعاشات التقاعدية لعمال القطاع الخاص.
يعكف الان معالي وزير العمل بالتعاون مع نقابات العمال واصحاب العمل على تعديل قانون العمل ليتوافق مع معايير العمل الدولية.
كما اطلاق دولة رئيس الوزراء سعد الحريري الإطارَ الاستراتيجي الوطني للتعليم والتدريب التقني والمهني 2018-2022، الذي وضعته حكومة لبنان بدعم من منظمة العمل الدولية واليونيسيف.

قطر

قد أجرت دولة قطر مزيداً من التغييرات في السياسات واتخذت تدابير قانونية تحسن حماية العمال الوافدين.
 وأخص بالذكر اعتماد قانون جديد للنزاعات العمالية وقانون العمال المنزليين
و قانوناً يقضي بإلغاء تصريح الخروج لمعظم العمال الأجانب.
كما تم بذل المزيد من الجهود لتعزيز نظام تفتيش العمل.
الأراضي الفلسطينية المحتلة
في فلسطين، واصلت منظمة العمل الدولية دعم تعزيز الإطار التشريعي للعمل، ومنه إعادة بدء عملية إصلاح شمولي لقانون العمل في عام 2018 يضمن معايير العمل الدولية.
تعزيز وإدارة للحوار الإجتماعي لمراجعة قوانين العمل، ومراجعة الحد الأدنى للأجور.
 

البحرين

عدلت البحرين بعض أحكام قانون العمل في القطاع الخاص (تتعلق أساساً بالتمييز في العمل والمهنة، ونظام حماية الأجور).
كما وبدأت مؤخرا بإصدار تأشيرات مرنة تجريبية – أو تأشيرات الـ"Flexi Visa" – لبعض فئات العمال الأجانب، والتي تمكنهم من تغيير أصحاب العمل والتنقل في سوق العمل.

عمان

اتخذت الحكومة العمانية والشركاء الاجتماعيين عدة خطوات لتقوية الحماية الاجتماعية. وانتقلت من السياسة العامة لخطة التأمين ضد البطالة إلى التنفيذ، وقد تم تطوير نظام التأمين ضد البطالة الجديد ووضعه بشكل فعال.
وتعكف الحكومة حاليا على وضع استراتيجية وطنية للتشغيل.

اليمن

نجح اليمن في تجريب تطوير التلمذة المهنية غير الرسمية في مرحلة الصراع، واستفاد من ذلك 167 معلم حرفة و325 متدرباً (نصفهم من الإناث)، بما في ذلك مجموعة من الشباب النازحين من محافظة الحُديدة.

سوريا

شرعت منظمة العمل الدولية في تنفيذ مشروع مع سوريا لمكافحة أسوأ اشكال عمل الأطفال.
أولت الجمهورية العربية السورية المزيد من الاهتمام لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتوفير بيئة تشريعية مناسبة لتنظيم عملها.

العراق

أشير بصفة خاصة إلى مصادقة العراق على الاتفاقية رقم 87 لمنظمة العمل الدولية حول حرية تكوين الجمعيات وحماية حق التنظيم. ... خطوة جدا مباركة.
كما ويُجري العراق حالياً مسحاً للقوى العاملة بدعم من منظمة العمل الدولية. وسيسمح هذا المشروع للعراق بتلبية الاحتياجات الفورية من سبل العيش وفرص العمل في حالات الطوارئ، والاحتياجات متوسطة وطويلة الأجل للتصدي للتحديات الهيكلية في سوق العمل وأوجه العجز في العمل اللائق في البلاد.

البرنامج الوطني للعمل اللائق

أطلقت عُمان ولبنان والكويت برامجها الوطنية للعمل اللائق العام الفائت مع منظمة العمل الدولية. والعراق بصدد وضع برنامجه الوطني الجديد للعمل اللائق.

خطة العمل المشتركة لدول الخليج

تستأنف منظمة العمل الدولية خطة الأنشطة المشتركة مع المكتب التنفيذي لمجلس التعاون الخليجي. وسيُنفَّذ أول نشاط لهذا العام في نيسان 2019.

لم أذكر هنا سوى غيض من فيض إنجازاتنا المشتركة. وفي الختام، أعرب عن ثقتي أننا عندما نلتقي هنا العام المقبل سنحمل معنا لائحة أكبر من الإنجازات في مجال تعزيز العمل اللائق وفرص العمل المنتجة. أتمنى لكم نقاشات مثمرة طوال هذا المؤتمر.
وشكراً لحسن إصغائكم