الصمود في مواجهة الأزمات والعمل اللائق يخففان من آثار وباء كورونا على سوق العمل الأردني

تعليق | ٢٦ مارس, ٢٠٢٠
بقلم مها قطاع، أخصائية الصمود ومواجهة الأزمات في منظمة العمل الدولية

مع استمرار العالم في مكافحة وباء فيروس كورونا الذي يحصد أرواح الآلاف في جميع أنحاء العالم، بدأنا نلمس أثر الأزمة على جميع جوانب حياتنا.

فمن إغلاق المدارس والشركات إلى تشجيع أعداد متزايدة من الناس على العمل من المنزل، يواجه عالم العمل تغييرات جذرية وآفاقاً غامضة لم يشهدها من قبل.

وكما قال المدير العام لمنظمة العمل الدولية، غاي رايدر، الأسبوع الماضي، "هذه ليست مجرد أزمة صحية فحسب، بل أيضاً أزمة سوق عمل وأزمة اقتصادية كبرى".

ووفقاً لتقديرات منظمة العمل الدولية، يمكن أن تؤدي أزمة سوق العمل والاقتصاد التي سببها وباء كورونا إلى زيادة البطالة العالمية بنحو 25 مليوناً. ولكن، إذا حدثت استجابة منسقة دولياً على صعيد السياسات، كما حدث في الأزمة المالية العالمية لعام 2008-2009، فسيكون الأثر على البطالة العالمية أقل بكثير.

ويدعو تقييم منظمة العمل الدولية الأولي الذي صدر حديثاً إلى اتخاذ تدابير عاجلة وواسعة النطاق ومنسقة في ثلاثة محاور: حماية العمال في مكان العمل، وتحفيز الاقتصاد والتوظيف، ودعم الوظائف والدخل.

وتشمل هذه التدابير توسيع الحماية الاجتماعية، ودعم استبقاء العاملين في وظائفهم (عن طريق الدوام لوقت قصير، والإجازات مدفوعة الأجر، وغيرها من الإعانات)، والإعفاءات المالية والضريبية، بما فيها للمنشآت الصغيرة جداً والمنشآت الصغيرة والمتوسطة.

هذه بالفعل تدابير حاسمة يجب علينا جميعاً - وكالات دولية وحكومات وأصحاب عمل وعمال في جميع أنحاء العالم - معالجتها للمساعدة في تخفيف أثر الوباء على أسواق العمل والسكان في بلدنا.

تخفيف أثر الوباء على سوق العمل الأردني

يواجه العديد من الدول العربية بالأساس تحديات سوق العمل القائمة، سواء فيما يتعلق بتدفق اللاجئين، أو ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، أو تدني مشاركة الإناث، أو اتساع نطاق القطاع غير المنظم. وتضيف الأوضاع الحالية تحديات وأعباء أخرى على كاهل العمال وأصحاب العمل والحكومات.

يتخذ الأردن مجموعة تدابير لمحاربة انتشار الفيروس. ومن هذه التدابير إغلاق المتاجر والشركات في جميع مناطق البلاد، وحظر التجول الذي تفرضه الحكومة على المواطنين والمقيمين، وإغلاق المطارات الدولية والمعابر الحدودية مع البلدان المجاورة.

وهذه التدابير مهمة جداً في مكافحة انتشار الفيروس. ولكن علينا أيضاً أن ندرس التحديات الجديدة التي أوجدتها الأزمة في سوق العمل، وخاصة للعمال الأكثر عرضة للخطر - سواء كانوا أردنيين أو لاجئين أو مهاجرين.

فالعمال المياومون أو الموسميون كعمال الزراعة أو البناء مثلاً؛ والعمال وأسرهم ممن لا يشملهم الضمان الاجتماعي أو شبكات الضمان الأخرى؛ واللاجئون داخل المخيمات أو الأردنيون في مناطق فقيرة - ليسوا سوى أمثلة قليلة عن العاملين الذين فاقمت الأزمة الحالية جوانب ضعفهم أو ستفاقمها.

تعمل منظمة العمل الدولية وشركاؤها منذ سنوات على تلبية احتياجات سوق العمل لهذه الفئات الضعيفة في الأردن والمنطقة عموماً - من خلال برامج مختلفة منها مواجهة أزمة اللاجئين وبوسائل أخرى. ولكن الوضع الراهن خلق تحديات جديدة بحاجة إلى مواجهة جديدة وفورية.

وأحد جوانب هذه المواجهة يجب يكون إعادة النظر بمنهجياتنا للتخفيف من أثر وباء كورونا على سوق العمل الأردني.

أولاً وقبل كل شيء، علينا إجراء تقييم سريع لآثار الوضع الحالي على البطالة والعمالة الناقصة وتبعات ذلك على دخل العمل وفقر العاملين، من خلال استطلاعات رأي عبر الإنترنت والهاتف، ودراسة قواعد البيانات الحالية للحكومة ومراكز التوظيف.

فهذا التقييم يساعدنا على فهم نطاق الأزمة بشكل أفضل ومعرفة المشاكل والهموم الملحة التي يواجهها العاملون اليوم في مختلف جوانب الحياة، مثل وضعهم الوظيفي الحالي ومصادر الدخل وقنوات الإنفاق ومستويات الفقر. وهذه النتائج تساعدنا في تصميم مشاريع جديدة تلبي احتياجات هؤلاء العاملين.

ثانياً، علينا إعادة تقييم بعض السياسات الرئيسية التي تحكم سوق العمل في الأردن اليوم ودراسة بعض التدابير التي تتخذها الحكومة لمعالجة الأزمة الحالية، في مجال الضمان الاجتماعي وغيرها من التدابير لمساعدة مختلف القطاعات. نحن بحاجة إلى فهم الثغرات وأوجه القصور الموجودة واقتراح مجموعة من توصيات السياسات لضمان عدم إهمال أي فرد. يمكن أن تشمل هذه الإجراءات توسيع الحماية الاجتماعية للجميع، وإقرار إعانات حكومية وتأمين صحي شامل، وتشجيع وتسهيل العمل عن بعد والمرونة في ساعات الدوام، ودعم القطاع الخاص.

أخيراً، علينا إيجاد طرق لإعادة تصميم المشاريع الحالية للتوظيف وسبل العيش وتعديلها بحيث تلبي احتياجات الناس الحالية. من الصعب في هذه المرحلة معرفة إلى متى ستستمر هذه الأزمة. لذلك نحتاج إلى وضع سيناريوهات مختلفة وخطط عمل تعالج أوضاع الأزمات القصيرة والمتوسطة والطويلة الأجل.

وهذا يعني، بالنسبة لمنظمة العمل الدولية في الأردن، الاستمرار في العمل مع الشركاء على تطوير المهارات ودعم إيجاد الوظائف وفرص كسب العيش، وكذلك تعزيز ظروف العمل اللائق للجميع من خلال حلول مبتكرة وبديلة للوصول إلى المستفيدين. ويمكن أن يشمل ذلك:

- تشجيع ودعم إنشاء مزيد من الشركات المنزلية، باستخدام المهارات الحالية، مع ضمان استمرار الأطفال في هذه الأسر في تلقي التعليم عن بُعد، وعدم إشراكهم في أي شكل من أشكال عمل الأطفال.

- الاستمرار في العمل مع قطاع الزراعة الذي يعد من القطاعات الاستراتيجية التي ستزدهر بسبب الطلب المتزايد. علينا أيضاً ضمان ظروف عمل لائقة في هذا القطاع عبر السماح للجان العمل بممارسة دور أكبر في مراقبة ظروف العمل. في الوقت نفسه، يجب أن نضمن حصول العاملين على التدريب عبر الإنترنت في مجال تطوير المهارات الجديدة المطلوبة في قطاعاتهم، وتعلم تدابير السلامة والصحة المهنية بما فيها المتعلقة بفيروس كورونا، وتحسين ظروف العمل.

- تصميم نماذج جديدة لعمل مراكز التشغيل التي علقت حالياً المقابلات الشخصية مع الباحثين عن عمل. يمكن تحقيق ذلك من خلال تفعيل منصة التوظيف الحالية للاستشارات الإلكترونية والاستفادة منها، وهي تعتمد على خدمات الانترنت والهاتف المحمول والهاتف للوصول إلى العمال.

- إعادة صياغة وتصميم نماذج برنامج الاستثمار ذو العمالة المكثفة التابع لمنظمة العمل الدولية، لمعالجة المخاطر والتحديات التي يفرضها وباء كورونا، مثل ضمان تجنب الاختلاط والتجمع في أماكن العمل وتشجيع زيادة المشاريع التي تحسن البنية التحتية المجتمعية.

- توظيف التكنولوجيا الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الناس على مشاهدة دورات التدريب ومقاطع الفيديو عبر الإنترنت لتعلم مهارات جديدة وتحسين المهارات الحالية، بالإضافة إلى جلسات التدريب أثناء العمل. ويمكن أيضاً تنظيم جلسات توعية بشأن السلامة والصحة المهنيتين في ظروف انتشار فيروس كورونا.

تركز توصية منظمة العمل الدولية رقم 205 بشأن التوظيف والعمل اللائق من أجل السلام والقدرة على الصمود، المعتمدة في عام 2017، على "التدابير المتعلقة بعالم العمل للوقاية من ومواجهة الآثار المدمرة للأزمات على الاقتصادات والمجتمعات". تقدم هذه التوصية توجيهات بشأن تدابير إيجاد الوظائف والعمل اللائق لأغراض الوقاية والتعافي والسلام والقدرة على الصمود في ظروف الأزمات الناشئة عن النزاعات والكوارث. نحن اليوم بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تشجيع التنفيذ العملي للتوصية 205 في الأردن والبلدان الأخرى حتى نتمكن من تعزيز التوظيف وبناء القدرة على الصمود، بينما نواصل مكافحة الأزمة العالمية الحالية.